مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
شرح حديث / ما من عبد قال: لا إله
إلّا اللّه ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: كتاب الإيمان
وَعَنْ
أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ
أَبْيَضُ، وَهُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى
وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ»
قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ
زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي
ذَرٍّ» وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ
أَنْفُ أَبِي ذَر. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشرح:
(وعن أبي ذر) هو جندب بن جنادة الغفاري، وهو من أعلام الصحابة
وزهادهم، أسلم قديما بمكة.
يقال: كان خامسا في الإسلام، ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن
قدم المدينة على النبي ﷺ بعد الخندق، ثم سكن ربذة إلى أن مات بها سنة اثنتين وثلاثين في
خلافة عثمان، وكان يتعبد قبل أن يبعث النبي ﷺ،
روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين.
قال: (أتيت النبي ﷺ وعليه ثوب أبيض) حال من النبي ﷺ.
قال الشراح: هذا ليس من الزوائد التي لا طائل تحتها، بل قصد الراوي بذلك أن يقرر
التثبت والإتقان فيما يرويه؛ ليتمكن في قلوب السامعين. قلت: أو أراد التذكر بإحضار
طلعته الشريفة، واستحضار خلعته اللطيفة، فيكون كأنه حاضر لديه وواقف بين يديه.
(وهو نائم): عطف على الحال، وهو بضم الهاء، ويسكن أي: فرجعت، (ثم
أتيته) بعد زمان (وقد استيقظ) حال من الضمير المنصوب، والمعنى فوجدته منتبها من
النوم.
فقال: «ما من عبد قال: لا إله إلا الله» وإنما لم يذكر محمدا رسول
الله؛ لأنه معلوم أنه بدونه لا ينفع «ثم مات على ذلك» أي: الاعتقاد، وثم للتراخي
في الرتبة؛ لأن العبرة بالخواتيم «إلا دخل الجنة»
استثناء مفرغ أي: لا يكون له حال من الأحوال إلا حال استحقاق دخول
الجنة، ففيه بشارة إلى أن عاقبته دخول الجنة، وإن كان له ذنوب جمة، لكن أمره إلى
الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه، ثم أدخله الجنة.
قلت: (وإن زنى) قال ابن مالك: حرف الاستفهام في قوله: وإن زنى مقدر،
ولا بد من تقديره أي: أيدخل الجنة، وإن زنى (وإن سرق؟) أو التقدير: أو إن زنى، وإن
سرق دخل، وتسمى هذه الواو واو المبالغة، و "إن" بعدها تسمى وصلية،
وجزاؤها محذوف لدلالة ما قبلها عليه.
قال: (وإن زنى وإن سرق؟) وتخصيصهما لأن الذنب إما حق الله وهو الزنا،
أو حق العباد وهو أخذ مالهم بغير حق، وفي ذكرها معنى الاستيعاب كما في قوله تعالى:
{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ
فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}
[مريم: ٦٢] أي: دائما.
قلت: (وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق») أما تكرير أبي ذر
فلاستعظام شأن دخول الجنة مع مباشرة الكبائر، وقيل لظنه أنه لو كرر لأجابه بجواب
آخر فيجد فائدة أخرى، وأما تكرير رسول الله ﷺ
فإنكار لاستعظامه، أي: أتبخل برحمة الله؟ فرحمة الله واسعة على خلقه وإن كرهت ذلك.
(قلت: وإن زنى وإن سرق؟) قال: «وإن زنى وإن سرق» فيه دلالة على أن أهل الكبائر لا
يسلب عنهم اسم الإيمان، فإن من ليس بمؤمن لا يدخل الجنة وفاقا، وعلى أنها لا تحبط
الطاعات لتعميمه -عليه الصلاة والسلام- الحكم وعدم تفصيله.
(على رغم أنف أبي ذر) الرغم بالفتح أشهر من الضم، وحكي الكسر أي:
الكره، ففرح بذلك أبو ذر.
(وكان أبو ذر إذا حدث) أي: هذا كما في نسخة صحيحة (قال) تفاخرا: (وإن
رغم) بكسر الغين، وقيل: بالضم والفتح (أنف أبي ذر) أي: لصق بالرغام -بالفتح- وهو
التراب، ويستعمل مجازا بمعنى كره، أو دل إطلاقا لاسم السبب على المسبب. (متفق
عليه).
قال العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
هذا الحديث صحيح، ومعناه أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بين في هذا الحديث أن من حقق التوحيد وقال: لا إله إلا الله، فإنه يدخل الجنة ولو عمل بعض المعاصي والكبائر؛ لأن المعاصي والكبائر لا تخرجه من الإيمان كما هو المذهب الحق مذهب أهل السنة والجماعة؛ أن الإنسان يكون مؤمنًا بإيمانه، فاسق بكبيرته، ولا يخرج من الإيمان بالكبائر.
فهاهو
الرجل لو قتل نفسًا محرمة بغير حق فإن ذلك من أكبر الذنوب، ومع هذا لا يكون بهذا
خارج الملة، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- في الطائفتين المقتتلتين إنما يصلح
بينهما أمرهما أن يصلح بينهما. وقال من الأخوة: فأصلحوا بين أخويكم.
وهذا
دليل على أن الإنسان لا يخرج من الإيمان بفعل الكبائر، فهو يدخل الجنة وإن زنا وإن
سرق، ولكن هو مستحق للعذاب على هذه الكبيرة إن كانت ذات حد في الدنيا، فعوقب به،
وإلا عوقب به في الآخرة إلا أن يشاء الله؛ لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].
والله الموفق.
الحمد
لله رب العالمين
اللهُم ارحم
مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ
تقبل الله
منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق